الاثنين، 5 مارس 2012

رساله إلى أستاذي بمثواه الاخير

هذا ما كتبته بيوم 8/3/2008 حينما توفى الأجل أستاذي .. وقد تم نشر المقال بجريدة القبس الكويتيه
ولأن المساحات لهمسي … ولانه الهمس يرثيه … فلترثيه مدونتي … وليرثيه كل قارئ …
اعيد وبعد اربع سنوات نشر مقالي وكلي يقين أن لازلنا بوطننا نعيش ألم فقده ..
مصابنا جلل ودموعنا أبت ألا أن ترسم للحزن أنهارا من الألم .. كيف لا وقد ترجل أستاذ الكلمه .. وسيد القلم .. وشاعر الحرف .. ترجل الفيلسوف وترك لرجال زمانه مساحة تأن لرحيله .

تحية لك أستاذي بمثواك الاخير .. تحية معطرة بانفاس محبيك .. ندية من دموع بكت فراقك .

أستاذي منذ كنت بالتاسعه من عمري وأنا أقرأ سطورك وافكارك واتمعن بحروفك بمساحات الإهتمام بحدقات عيني الرجل الأول بعالمي .. جدي .. حينها كنت أصغر من أن أتبحر بمعرفة الأستاذ .. ولكن بفضل من الله عز وجل وبفضل تلك الساعات حيث كنت أضع كراساتي قريبة من جدي وهو يقرأ الصحف اليومية لينتهي منها فيبدأ معي درس أبجدية مختلف عن درس أبجدية الأخرين ممن كانوا بعمري .. فلقد كان يخبرني عما يدور بالعالم ويحكي لي عن الأخبار المحليه والعالميه ويسرد لي قصص الشعوب ويقرأ لي الشعر العربي الفصيح وماتيسر من المقالات المنشورة مع حرصه على تفسيرها لي لأستوعبها .. كما كان يغوص معي بتراجم شخصيات بارزه وشخصيتك أستاذي هي الشخصية الأولى والأخيرة التي أسرت بها ولها .

د/أحمد عبدالله الربعي .. إن طفلة التاسعه دائما مأسورة بملامح أبيها وكلماته وافكاره وتتشبث بمقولاته وتحدد لنفسها خطا يسير على خطواته .. وجدي كان أبا ومعلما ومرشدا ترعرعت بأحضانه وبكنفه وحروفك كانت منهج تعليمي بمدرسته ... إن شعوري بأختلافي عن الآخرين بسعة إدراكي التي فاقت مرحلتي العمريه وبفضولي التعرف على أبعد ماوصلت إليه عيني وباسلوبي الذي كنت أتحدث به محددة لنفسي مبدأ وركيزة ومنطقا .. لقد كنت طفله لم تعشق بالدمى سوى منظرها والأحتفاظ بها ليكون كل أهتمامي منصبا بتكوين شخصيه تعرفك حق معرفتك .. كان حلمي ببلوغي الاعوام سريعا لأكون على قدر مسئولية حمل مقال لك أقرأه .

حينما التحقت بالثانويه العامه بدأت أصقل معرفتي وأدعمها بأفكارك التي كنت أتمعن بها فلمست حب الناس بالأقطار العربيه لك وكشفت السر بذلك .. فحرية الرأي وكلمة الحق كانوا فصلي الأول منك ، أما نشاطك السياسي وعضويتك بمجلس الأمه ودورك من خلال تيارك السياسي البارز فلقد تعلمت منهم النضال والمثابره لبلوغ الهدف .. وعن دورك الصحفي وبحكم عمل جدي بمبنى الجريدة حيث كنت .. قرأت حيويتك ونشاطك .. قرأت العمل المتواصل .. وعشقت علم الاعلام خصوصا الصحافه .. ومع تقلدك المنصب الوزاري حملت بأعماقي شعور رائع .. شعور الانتماء كوني طالبه يحتضنها ظل وزارة التربيه برعاية وزير دعم التعليم بالجهد والقلم والكلمه .
أستاذي كنت تقود سفينتك بحماس من اجل أجيال المستقبل وكنت أنا جزءا من جيل قادم .. ذاك الحماس كان نداء تشجيع لي إذ ما وقعت على عاتقي مسئولية العطاء من اجل بناء وطن يزدهر بروح الشباب .

بعد التحاقي بجامعة الكويت قررت أن أبدأ كبدايتك فكان لي تياري السياسي وصوتي الذي يطالب بحقوقه بنبذ كل ما أراه مشوها للفكر .. حاولت أن أبدو قريبة منك فعملت كمحرره بتابلويد الجامعه .. حتى حانت استراحة المحارب وعدت للحرم الجامعي لتمارس دورك الأكاديمي .. فأول لقاء حينما لمحت أستاذي يجلس بحديقة الجامعة على أحد الكراسي وكانه يستنشق باستراحته عبق العلم الذي سيمنحه لنا .. كان استغلال السنوات القليله رائعا ومتميزا .. لم تكن مجرد الأكاديمي الذي يحمل ثقلا من الثقافه يوزعها بمذكرات دراسيه للطلبه والطالبات ليتلقاها مجددا ويرصدها كعلامات تفوق أو فشل .. استراحتك كانت تجمعنا وشعارك أن العلم للجميع فلم تمانع يوما بحضور طالبا لمحاضراتك لمجرد الاستماع لك .. وكان يأبى احساسك إلا أن يكون للمستمع حقا ونصيبا من عطاءك .
كنت من بين المستمعين دائما .. ولازلت أذكر مقعدي الأول بالصف الأول بقاعة درسك ولا زلت أذكر إلتزامي الحضور المبكر لاستقبالك .. ولازلت أذكر بعض مداعباتك لنا مع بعض نقدك ولازلت أذكر بعض النكشات الخفيفه للبعض منا .. احببت هدوءك بسرد المعلومه ... أسلوبك .. حركتك الدائمه التي كانت تعلن لنا حالة ورود جديد معك .. وكم استمتعت بمحاضراتك التي كانت تحمل الفلسفه باطار أنت رسمته كفلسفة الهرم المقلوب .. الذي لم تشغل نفسك باعادة قلبه ليبدو هرما بشكله الصحيح بقدر اهتمامك بتقويمه .. تلك الفكرة الفلسفيه التي ربما دفعت العشرات منا كطلبة وطالبات لتكوين أفكارا كثيرة عن معنى التقويم الذي عنيته ... هكذا كنت أستاذا للجميع ولكل واحد من الجميع علاقة شخصيه بك كعلاقتي أنا التي حاولت أن أوثق بها رحلتي معك .. فكنت خير من قصدت لاكمل مسيرتي بدعم وتشجيع ونصيحه ..
فتناولت فلسفتك وحدثتك بها ... فكنت توجه سؤالا وحيدا مباشرا سريعا لتمنحني أياما أشكل من خلالها أجابتي المكتوبه على ورقة تقرأها لتعود فتخبرني أن اجابتي هي فلسفتي أنا ... دائما كنت حريصا على ان تجد فلاسفه جدد
مارست ثورة شبابي تارة برفضي وتارة بنقدي وتارة أخرى بتمنعي فوجدتك شابا يقف قربي يثور مع ثورتي .. يحثني على القلم .. ليجدني كاتبه وناقده
أسبر اغوار نفسي واطلق العنان لمخيلتي لأجدك تقف ضمن كل خيالاتي .. فتثير بي كل الكلمات مصرا أن تجد الشاعرة بأعماقي

أستاذي .. إن رحلتي معك منذ التاسعه من عمري أعظم من أن أقول وداعا بعد بلوغي الثلاثين وتعطشي لاكتساب المزيد منك أعظم من استرجاع اللحظات معك .. فرغبتي باستكمال مسيرة الغد أريدها أن تكون كمسيرتك .. لذا فلازلت أرى أنني لم أنل كل ما أردته منك ..
كنت لازلت تحمل الكثير .. وحتى باصعب أوقات مرضك .. كان عطاؤك متدفق ولكنها مشيئة الرحمن .. إذ آن لملحمة الكفاح أن تنتهي .. فيترجل الفارس .. فتنعاه القلوب والعيون والمشاعر .. ينعاك الوطن .. تنعاك الكلمات والأقلام .. وتنكس رايات الحكمة من بعدك ..

أستاذي لا أعلم أن كان بوسعي أن ارثيك بمسيرتي معك أم أتمسك بعزائي ببعض ما تبقى منك لي ...
وداعا حيث أنت ,, وكما يفخر التراب الذي يحتضنك بك فأنا أيضا سأقرأك بكل أربعائياتك التي جمعتها لك .. وسأبحث عنك بين صفوف كل الكتب التي كنت تتجول بينها فتنصحنا بقرائتها وسأجدك بكل مقال اكتبه وأراك بكل قصيدة لي نظمها كشاعرة تنبأت أنت لها وأصريت إلا أن أكون وسأناديك بتحيتي بعدما أسمع نبرة صوتك بالبرامج الحواريه التي ستفقد نكهتها بعدك .. وسأشعر بك معنا مع كل ميلان يحدثه الهرم المقلوب

كنت وسأبقى تلميذتك ... رحمك الله أبا قتيبه


هدى القلاف
8/3/2008